يعاكس الوزير جبران باسيل خيارات حليفه «حزب الله» الانتخابية في معظم الدوائر، بل يتحدّاه في جبيل. لكنه يعرف أنّ 7 أيار 2018 آتٍ: من المصادفة أنه يحمل تسمية «7 أيار»، وأنه الذكرى السنوية العاشرة لـ 7 أيار 2008. ولكن، هل إنّ باسيل هو الذي اختار سبيل المعاكسة والتحدّي؟ أم إنّ ظروفاً معيّنة تدفعه إلى اختياره؟ وعلى مَن، وعَلامَ، يتَّكل باسيل لإمرار الأزمات المحتملة بين «التيار» و»الحزب»، بدءاً من 7 أيار الآتي؟
في حسابات غالبية الخبراء أنّ الفريق الخارج منتصراً في 6 أيار سيكون تحالف حركة «أمل»- «حزب الله». وبالأرقام، تؤشّر الدراسات إلى توازنٍ جديد في المجلس النيابي المقبل. فعلى الأقل، ستكون الغالبية المطلقة (65 نائباً) مضمونة لـ»الثنائي الشيعي» وحلفائه من طوائف أخرى.
في تيار «المستقبل»، يقلّصون من أهمية هذه المعادلة. ويقولون: «كنّا وحلفاءنا في 14 آذار نمتلك الغالبية في المجلس السابق ولم نتمكّن من التحكّم بالقرار. الجميع مضطرٌ إلى التوافق. و»حزب الله» والرئيس نبيه بري سيكونان كذلك، أيّاً كانت نتائج الانتخابات».
لكنّ آخرين في 14 آذار السابقة لا يتّفقون مع أصحاب هذا الرأي المتساهل. ويعتقدون أنّ انزلاق الغالبية في اتّجاه «حزب الله» ستكون له تداعيات سياسية مهمّة. فعندما كانت 14 آذار تمتلك الغالبية النيابية، استخدمتها لإقامة توازنٍ مع نفوذ «حزب الله» بالسلاح والقرار الإقليمي.
وأما اليوم، فسيحظى «الحزب» بالغالبية والسلاح والقرار الإقليمي في آن معاً، وسيكون خصومه بلا أوراق قوة. ولذلك، سيجْنَح لبنان إلى خيار «الحزب» داخلياً وإقليمياً. وسيكون «الحزب» قادراً على الفصل في كل الاستحقاقات الآتية: رئاسة المجلس النيابي، رئاسة الحكومة وتركيبتها- نوعاً وكمّاً- وبرنامجها، رئاسة الجمهورية ومجمل مسار السلطتين التشريعية والتنفيذية.
يقول البعض: «لا تُبالغوا في التوقّعات. نعم، هناك تماسك في الوضع الشيعي انتخابياً. ولكن، لا يجوز المبالغة في تصوير حجم انتصار «الثنائي» داخل الطوائف الأخرى.
وفي المقابل، يتقاطع خبراء جدّيون على نتائج مريحة لـ»الثنائي» داخل المجلس المقبل، تترجمها الأرقام. ويقولون: وحدهما «حزب الله» وحركة «أمل» اعتمدا «النظام المرصوص» بينهما. فهناك تحالفٌ كامل وتَكامُلٌ على مستوى الدوائر الـ15، من دون أدنى خرق أو اختلاف، لا بين الطرفين ولا حتى في داخل اللوائح. وهذا الانسجام السياسي - المذهبي لا مثيل له لدى الآخرين جميعاً.
ففي مقابل «الجبهة الشيعية الباردة»، تدور نزاعات شرسة بين القوى المسيحية والسنّية والدرزية وفي داخلها، على خلفية الحاصل الانتخابي. كذلك تدور نزاعات بين «أهل البيت» في كل حزب وتيار ولائحة، على خلفية الصوت التفضيلي.
الرئيس سعد الحريري قرَّر تحالفاته في الدوائر، بنحو متناقض، بناءً على مصالح انتخابية موضعية. فهو تحالف مع النائب وليد جنبلاط في الشوف ومع الوزير طلال إرسلان في مرجعيون - حاصبيا. وتحالف مع «القوات» في الشوف وبعلبك ـ الهرمل وعكار، ومع «التيار» في البترون - الكورة وزحلة وبيروت الأولى.
وأما «التيار» فاختلف مع «القوات» في كل الدوائر، وتحالَف مع «حزب الله» في 3 ثلاث فقط هي بعبدا والبقاع الغربي وبيروت الثانية، بل ذهب إلى تحدّيه في جبيل برفض تسميته للمرشح حسين زعيتر.
باستثناء «الثنائي، يتعامل الجميع مع الانتخابات وكأنهم في مركبٍ يغرق، وركابُه يتنازعون أعداداً قليلة من سترات النجاة. وفي لحظة «الحياة أو الموت»، الكل «يا ربّ نفسي»… وأما المبادئ وعلاقات «ذوي القربى» فيمكن «تعليق العمل بها» إلى ما بعد الانتخابات.
التقديرات الأوّلية تشير إلى أنّ «الثنائي الشيعي» مرشَّح للفوز بـ27 نائباً شيعياً من أصل 27. فالخرق الوحيد الذي يطمح الخصوم إلى إحداثه في بعلبك - الهرمل، على مستوى أحد المقاعد الشيعية،لا يبدو تحقيقه سهلاً.
في الموازاة، هناك نحو 20 مقعداً سيحصل عليها حلفاء «حزب الله» والرئيس نبيه بري. ما يوصل عدد المقاعد التي يمون عليها «الحزب» و»الحركة» مباشرة إلى ما يناهز الـ47، ما عدا الشخصيات والقوى السياسية التي يمكن أن تجد نفسها لاحقاً في تموضع سياسي قريب.
كل ذلك، من دون احتساب كتلة «التيار الوطني الحر» التي تتموضع سياسياً إلى جانب «الحزب»، وطبعاً كتلة النائب وليد جنبلاط التي درجت على اختيار تموضع وسطي، لكنها في الملفات الكبرى لا تجد مفرّاً من التصويت مع بري كحليف ومع «حزب الله» من باب المداراة. ويعني ذلك أنّ «الثنائي» قادر- في الملفات ذات الطابع الجدّي والاستراتيجي- على حشد نحو ثلثي المجلس.
إزاء هذه المعطيات، يمكن مجدّداً طرح السؤال: إذاً، لماذا يقوم باسيل بمعاكسة «حزب الله» أو تَحدّيه، وهو يعرف أنّ «الحزب» سيكون أقوى بعد الانتخابات؟ وكيف يريد تأمين موقع قوي للعهد، ثمّ له شخصياً، في الحكومة والمجلس… ولاحقاً في قصر بعبدا، في ظلّ مشاكسة واضحة مع قطبي «الثنائي الشيعي»؟
البعض يقول: «لا يتّكل باسيل على شيء ولا على أحد في هذه المشاكسة. فقط هو يعتقد أنّ اللعبة الانتخابية شيء واللعبة السياسية بعد الانتخابات شيء آخر، وأنّ الجميع سينسى رواسب المعركة الانتخابية عندما تنتهي في 6 أيار، وسيغفر كل طرف للآخر مشاكساتِه لأنّ لها ضروراتٍ آنية وموضعية.
وفوق ذلك، ربما يعتقد باسيل أنّ «حزب الله» سيتجنّب إظهار أنه ابتلع القرار اللبناني وأنه أخذ لبنان إلى المحور الإيراني، لأنّ ذلك سيزيد عليه الضغوط عالمياً، وأنّ من مصلحة «الحزب» أن يُبقي على المظلّة الوفاقية الواقية، المتنوّعة طائفياً ومذهبياً وسياسياً، ولو شكلاً. وعون والحريري أبرز مكوِّنات هذه المظلّة. ولذلك، هو سيتعاطى مع المرحلة المقبلة بكثير من الانفتاح وتجاوز الحساسيات والرواسب.
هل هذا التوقُّع في مكانه؟ يسأل المتابعون، ويضيفون: ربما تكون مقاربة «حزب الله» لمجريات الانتخابات متساهلة ومنفتحة. فهذا صحيح. وصحيح أنّ «الحزب» لا يريد المسّ بالمعادلة الوطنية التي تشكل له مظلّة واقية. ولكن، على الأرجح، هو سيأخذ في الاعتبار أنّ من المناسب توسيع خياراته التحالفية وتجديدها في مختلف المناطق ولدى الطوائف كافة، بناءً على ما أفرزته الوقائع الانتخابية. فبالنسبة إليه، في 7 أيار 2018، «كل شي بحسابو»... بالمعنى الإيجابي، وكذلك المعنى السلبي.